اسئلة واجوبة حول العقيدة الارثوذكسية
1-هل توجد آيات صريحة فى الكتاب المقدس تذكر لاهوت المسيح؟ يسرنا إيراد بعض منها .
2-لماذا كان السيد المسيح يلقب نفسه بابن الإنسان؟ هل فى هذا عدم إعتراف منه بلاهوته؟ ولماذا لم يقل إنه ابن الله؟
3-يسئ الأريوسيون فهم الآية التى قال فيها سيدنا يسوع المسيح "أبى أعظم منى" (يو28:14). كما لو أن الاب أعظم من الابن فى الجوهر أو فى الطبيعة!! فما تفسيرها الصحيح؟
4-نقول إن المسيح ابن الله. فهل هو أصغر منه، لأن الابن عادة يكون أصغر من الآب. وقد رأيت أيقونة فى كاتدرائية بالخارج. فيها صورة الآب بلحية بيضاء، والابن بلحية سوداء.
5-قال السيد المسيح "مجدنى أنت أيها الآب عند ذاتك، بالمجد الذى كان لى عندك قبل كون العالم" (يو5:17). وهنا يسأل الأريوسيون: هذا الذى يطلب من الآب أن يمجده، هل من المعقول أن يكون مساوياً للآب الذى يمجده؟
1- هل توجد آيات صريحة فى الكتاب المقدس تذكر لاهوت المسيح؟ يسرنا إيراد بعض منها .
نعم، توجد آيات كثيرة، نذكر من بينها:
قول بولس الرسول عن اليهود:
".. ومنهم المسيح حسب الجسد، الكائن على الكل إلهاً مباركاً
مقدمة إنجيل يوحنا واضحة جداً. إذ ورد فيها:
"فى البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله" (يو1:1). وفى نفس الفصل ينسب إليه خلق كل شئ، فيقول "كل شئ به كان. وبغيره لم يكن شئ مما كان" (يو3:1).
وعن لاهوت المسيح وتجسده يقول بولس الرسول فى رسالته الأولى إلى تيموثاوس "وبالإجماع عظيم هو سر التقوى، الله ظهر فى الجسد" (1يو16:3).
وعن هذا الفداء الذى قدمه المسيح كإله يقول بولس الرسول إلى أهل أفسس
"أحترزوا إذن لأنفسكم ولجميع الرعية التى أقامكم الروح القدس فيها أساقفة، لترعوا كنيسة الله التى اقتناها بدمه" (أع28:20)
وطبعاً ما كان ممكناً أن الله يقتنى الكنيسة بدمه، لولا أنه أخذ جسداً، سفك دمه على الصليب.
ولقد اعترف القديس توما الرسول بلاهوت المسيح، لما وضع أصبعه على جروحه بعد قيامته، وقال له:
"ربى وإلهى" (يو28:20).
وقد قبل السيد المسيح من توما هذا الإيمان بلاهوته. وقال له موبخاً شكوكه:
"لأنك رأيتنى يا توما آمنت. طوبى للذين آمنوا ولم يروا".
وحتى إسم السيد المسيح الذى بشر به الملاك، قال:
"ويدعون اسمه عمانوئيل، الذى تفسيره الله معنا" (مت23:1).
وكان هذا إتماماً لقول النبى أشعياء:
"ولكن يعطيكم السيد نفسه آية. ها العذراء تحبل وتلد ابناً، وتدعو اسمه عمانوئيل" (أش14:7)، لقد صار الله نفسه آية للناس بميلاده من العذراء.
وما أكثر الآيات التى تنسب كل صفات الله للمسيح.
رجوع
2- لماذا كان السيد المسيح يلقب نفسه بابن الإنسان؟ هل فى هذا عدم إعتراف منه بلاهوته؟ ولماذا لم يقل إنه ابن الله؟
السيد المسيح إستخدم لقب ابن الإنسان. ولكن كان يقول أيضاً إنه ابن الله ...
قال هذا عن نفسه فى حديثه مع المولود أعمى، فآمن به وسجد له (يو9: 35-38).
وكان يلقب نفسه أحياناً [الابن] بأسلوب يدل على لاهوته كقوله "لكى يكرم الجميع الإبن، كما يكرمون الآب" (يو5: 21-23). وقوله أيضاً:
"ليس أحد يعرف من هو الإبن إلا الآب. ولا من هو الآب إلا الابن، ومن أراد الابن أن يعلن له" (لو22:10). وقوله أيضاً عن نفسه:
"إن حرركم الابن فبالحقيقة أنتم أحرار" (يو36:
.
وقد قبل المسيح أن يدعى أبن الله، وجعل هذا أساساً للإيمان وطوب بطرس على هذا الإعتراف.
قبل هذا الإعتراف من نثنائيل (يو49:1)، ومن مرثا (يو27:11)، ومن الذين رأوه "ماشياً على الماء" (مت33:14). وطوب بطرس لما قال له "أنت هو المسيح ابن الله". وقال "طوباك يا سمعان بن يونا. إن لحماً ودماً لم يعلن لك، لكن أبى الذى فى السموات" (مت16: 17،16).
وفى الإنجيل شهادات كثيرة عن أن المسيح ابن الله.
إنجيل مرقس يبدأ بعبارة "بدء إنجيل يسوع المسيح إبن الله" (مر1:1). وكانت هذه هى بشارة الملاك لللعذراء بقوله "فلذلك القدوس المولود منك يدعى إبن الله" (لو35:1). بل هذه كانت شهادة الآب وقت العماد (مت17:3)، وعلى جبل التجلى (مر7:9)، (2بط1: 18،17). وقول الآب فى قصة الكرامين الأردياء "أرسل إبنى الحبيب" (لو13:20). وقوله أيضاً "من مصر دعوت إبنى" (مت15:2). وكانت هذه هى كرازة بولس الرسول (أع20:9)، ويوحنا الرسول (1يو15:4)، وباقى الرسل.
إذن لم يقتصر الأمر على لقب ابن الإنسان.
بل إنه دعى ابن الله، والابن، والابن الوحيد. وقد شرحنا هذا بالتفصيل فى السؤال عن الفرق بين بنوتنا لله، وبنوة المسيح لله. بقى أن نقول:
إستخدم المسيح لقب ابن الإنسان فى مناسبات تدل عل لاهوته.
1- فهو كابن الإنسان له سلطان أن يغفر الخطايا.
وهذا واضح من حديثه مع الكتبة فى قصة شفائه للمفلوج، إذ قال لهم: ولكن لكى تعلموا أن لابن الإنسان سلطاناً على الأرض أن يغفر الخطايا، حينئذ قال للمفلوج قم إحمل سريرك وإذهب إلى بيتك (مت9: 2-6).
2- وهو كابن الإنسان يوجد فى السماء والأرض معاً.
كما قال لنيقوديموس "ليس أحد صعد إلى السماء، إلا الذى نزل من السماء، ابن الإنسان الذى هو فى السماء" (يو13:3). فقد أوضح أنه موجود فى السماء، فى نفس الوقت الذى يكلم فيه نيقوديموس على الأرض. وهذا دليل على لاهوته.
3- قال إن ابن الإنسان هو رب السبت.
فلما لامه الفريسيون على أن تلاميذه قطفوا السنابل فى يوم السبت لما جاءوا، قائلين له "هوذا تلاميذك يفعلون ما لا يحل فعله فى السبوت "شرح لهم الأمر وقال "فإن ابن الإنسان هو رب السبت أيضاً" (مت8:12). ورب السبت هو الله.
4- قال إن الملائكة يصعدون وينزلون على ابن الإنسان.
لما تعجب نثنائيل من معرفة الرب للغيب فى رؤيته تحت التينة وقال له "يا معلم أنت ابن الله" لم ينكر أنه ابن الله، إنما قال له "سوف ترى أعظم من هذا.. من الآن ترون السماء مفتوحة، وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان" (يو1:48-51). إذن تعبير ابن الإنسان هنا، لا يعنى مجرد بشر عادى، بل له الكرامة الإلهية.
5- وقال إن ابن الإنسان يجلس عن يمين القوة ويأتى على سحاب السماء.
فلما حوكم وقال له رئيس الكهنة "أستحلفك بالله الحى أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله؟ أجابه "أنت قلت. وأيضاً أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء" (مت26: 63-65). وفهم رئيس الكهنة قوة الكلمة، فمزق ثيابه، وقال قد جدف. ما حاجتنا بعد إلى شهود!
ونفس الشهادة تقريباً صدرت عن القديس اسطفانوس إذ قال فى وقت استشهاده "ها أنا أنظر السماء مفتوحة، وابن الإنسان قائم عن يمين الله" (أع56:7).
6- وقال إنه كابن الإنسان سيدين العالم.
والمعروف أن الله هو "ديان الأرض كلها" (تك25:18). وقد قال السيد المسيح عن مجيئه الثانى "إن إبن الإنسان سوف يأتى فى مجد أبيه، مع ملائكته وحينئذ يجازى كل واحد حسب عمله" (مت27:16). ونلاحظ هنا فى قوله "مع ملائكته، نسب الملائكة إليه وهم ملائكة الله.
ونلاحظ فى عبارة (مجد أبيه) معنى لاهوتياً هو:
7- قال إنه هو ابن الله له مجد أبيه، فيما هو ابن الإنسان.
ابن الإنسان يأتى فى مجد أبيه. فهو إبن الإنسان، وهو إبن الله فى نفس الوقت. وله مجد أبيه، نفس المج.. ما أروع هذه العبارة تقال عنه كإبن الإنسان. إذن هذا اللقب ليس إقلالاً للاهوته ...
8- وقال إنه كابن الإنسان يدين العالم، يخاطب بعبارة (يارب).
فقال: ومتى جاء ابن الإنسان فى مجده، وجميع الملائكة القديسين معه، فحينئذ يجلس على كرسى مجده، ويجتمع أمامه جميع الشعوب .. فيقيم الخراف عن يمينه، والجداء عن يساره. فيقول للذين عن يمينه تعالوا يا مباركى أبى رثوا الملكوت المعد لكم .. فيجيبه الأبرار قائلين: يارب متى رأيناك جائعاً فأطعمناك.." (مت25: 31-37).
عبارة (يارب) تدل على لاهوته. وعبارة (أبى) تدل على أنه ابن الله فيما هو ابن الإنسان.
فيقول "إسهروا لأنكم لا تعلمون فى اية ساعة يأتى ربكم" (مت42:24). فمن هو ربنا هذا؟ يقول "إسهروا إذن لأنكم لا تعلمون اليوم ولا الساعة التى يأتى فيها ابن الإنسان" (مت13:25). فيستخدم تعبير (ربكم) و(ابن الإنسان) بمعنى واحد.
9- كابن الإنسان يدعو الملائكة ملائكته، والمختارين مختاريه، والملكون ملكوته. قال عن علامات نهاية الأزمنة :
"حينئذ تظهر علامة ابن الإنسان فى السماء.. ويبصرون ابن الإنسان آتياً على سحاب السماء بقوة ومجد كثير. فيرسل ملائكته ببوق عظم الصوت، فيجمعون مختاريه.." (مت24: 29-31).
ويقول أيضاً "هكذا يكون فى إنقضاء هذا العالم: يرسل ابن الإنسان ملائكته فيجمعون من ملكوته جميع المعاثر وفاعلى الإثم، ويطرحونهم فى أتون النار" (مت13: 40-41).
وواضح طبعاً إن الملائكة ملائكة الله (يو51:1)، والملكوت ملكوت الله (مر1:9)، والمختارين هم مختارو الله.
10- ويقول عن الإيمان به كابن الإنسان، نفس العبارات التى قالها عن الإيمان به كابن الله الوحيد.
قال "وكما رفع موسى الحية فى البرية، ينبغى أن يرفع ابن الإنسان، لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو3: 14-16).
هل ابن الإنسان العادى، يجب أن يؤمن الناس به، لتكون لهم الحياة الأبدية. أم هنا ما يقال عن ابن الإنسان هو ما يقال عن ابن الله الوحيد.
11- نبوءة دانيال عنه كابن للإنسان تحمل معنى لاهوته.
إذ قال عنه "وكنت أرى رؤيا الليل، وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان. أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه. فأعطى سلطاناً ومجداً وملكوتاً. لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدى ما لن يزول. وملكوته ما لن ينقرض" (دا13:7، 14). من هذا الذى تتعبد له كل الشعوب، والذى له سلطان أبدى وملكوته أبدى، سوى الله نفسه..؟!
12- قال فى سفر الرؤيا إنه الألف والياء، الأول والآخر ...
قال يوحنا الرائى "وفى وسط المنائر السبع شبه ابن إنسان.. فوضع يده اليمنى على قائلاً لى: لا تخف أنا هو الأول والآخر، والحى وكنت ميتاً. وها انا حى إلى أبد الآبدين آمين" (رؤ1: 13-18). وقال فى آخر الرؤيا "ها أنا آتى سريعاً وأجرتى معى، لأجازى كل واحد كما يكون عمله. أنا الألف والياء. البداية والنهاية. الأول والآخر" (رؤ22: 13،12). وكل هذه من ألقاب الله نفسه (أش12:48، أش6:44).
مادامت كل هذه الآيات تدل على لاهوته .. إذن لماذا كان يدعو نفسه ابن الإنسان، ويركز على هذه الصفة؟
دعا نفسه ابن الإنسان لأنه سينوب عن الإنسان فى الفداء.
إنه لهذا الغرض قد جاء، يخلص العالم بأن يحمل خطايا البشرية، وقد أوضح غرضه هذا بقوله "لأن ابن الإنسان قد جاء لكى يخلص ما قد هلك" (مت11:18).
حكم الموت صدر ضد الإنسان، فيجب أن يموت الإنسان. وقد جاء المسيح ليموت بصفته ابناً لهذا الإنسان بالذات المحكوم عليه بالموت.
لهذا نسب نفسه إلى الإنسان عموماً..
إنه ابن الإنسان، أو ابن البشر. وبهذه الصفة ينبغى أن يتألم ويصلب ويموت ليفدينا. ولهذا قال "ابن انسان سوف يسلم لأيدى الناس، فيقتلونه، وفى اليوم الثالث يقوم" (مت17: 24،23) (مت45:26).
وأيضاً "ابن الإنسان ينبغى أن يتألم كثيراً، ويرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، ويقتل وبعد ثلاثة أيام يقوم" (مر31:
.
حقاً، إن رسالته كابن الإنسان كانت هى هذه.
ابن الإنسان قد جاء لكى يخلص ما قد هلك (مت11:18).
رجوع
3- يسئ الأريوسيون فهم الآية التى قال فيها سيدنا يسوع المسيح "أبى أعظم منى" (يو28:14). كما لو أن الاب أعظم من الابن فى الجوهر أو فى الطبيعة!! فما تفسيرها الصحيح؟
هذه الآية لا تدل على أن الآب أعظم من الابن، لأنهما واحد فى الجوهر و الطبيعة واللاهوت.
وأحب أن أبين هنا خطورة استخدام الآية الواحدة.
فالذى يريد أن يستخرج عقيدة من الإنجيل، يجب أن يفهمه ككل، ولا يأخذ اّية واحدة مستقلة عن باقى الكتب، ليستنتج منها مفهوماً خاصاً يتعارض مع روح الإنجيل كله، ويتناقض مع باقى الإنجيل.
ويكفى هنا أن نسجل ما قاله السيد المسيح:
"أنا والآب واحد" (يو30:10).
واحد فى اللاهوت، وفى الطبيعة وفى الجوهر. وهذا ما فهمه اليهود من قوله هذا، لأنهم لما سمعوه "امسكوا حجارة ليرجموه" (يو31:10). وقد كرر السيد المسيح نفس المعنى مرتين فى مناجاته مع الآب، إذ قال له عن التلاميذ "أيها الآب احفظهم فى اسمك الذين أعطيتنى، ليكونوا واحداً كما أننا واحد" (يو11:17). وكرر هذه العبارة أيضاً "ليكونوا واحداً"، كما أننا لاهوت وتحد وطبيعة واحدة.
وما أكثر العبارات التى قالها عن وحدته مع الآب.
مثل قوله "من رآنى فقد رأى الاب" (يو9:14).
وقوله للآب "كل ما هو لى، فهو لك. وكل ما هو لك، فهو لى "(يو10:17). وقوله عن هذا لتلاميذه" كل ما للآب، هو لى" (يو15:16). إذن فهو ليس أقل من الآب فى شئ، مادام كل ما للآب هو له ...
وأيضاً قوله "إنى أنا فى الآب، والآب فى"(يو11:14) (يو10: 38،37)،
وقوله للآب "أنت أيها الآب فى، وأنا فيك" (يو21:17).. وماذا يعنى أن الآب فيه؟ يفسر هذا قول الكتاب عن المسيح أن "فيه يحل كل ملء اللاهوت جسدياً" (كو9:2).
إذن ما معنى عبارة "أبى أعظم منى"؟ وفى أية مناسبة قد قيلت؟ وما دلالة ذلك؟
قال "أبى أعظم منى "فى حالة إخلائه لذاته.
كما ورد فى الكتاب "لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله. لكنه أخلى ذاته، آخذاً صورة عبد، صائراً فى شبه الناس.." (فى2: 7،6).
أى أن كونه معادلاً أو مساوياً للآب، لم يكن أمراً يحسب خلسة، أى يأخذ شيئاً ليس له. بل وهو مساو للآب، أخلى ذاته من هذا المجد، فى تجسده، حينما أخذ صورة العبد. وفى إتحاده بالطبيعة البشرية، صار فى شبه الناس ...
فهو على الأرض فى صورة تبدو غير ممجدة، وغير عظمة الآب الممجد.
على الأرض تعرض لانتقادات الناس وشتائمهم واتهاماتهم. ولم يكن له موضع يسند فيه رأسه (لو58:9). وقيل عنه فى سفر أشعياء إنه كان "رجل أوجاع ومختبر الحزن" "محتقر ومخذول من الناس" "لا صورة له ولا جمال، ولا منظر فنشتهيه" (أش53: 3،2). وقيل عنه فى آلامه إنه "ظلم، أما هو فتذلل ولم يفتح فاه" (اش7:53). هذه هى الحالة التى قال عنها "أبى أعظم منى".
لأنه أخذ طبيعتنا التى يمكن أن تتعب وتتألم وتموت.
ولكنه أخذها بإرادته لأجل فدائنا، أخذ هذه الطبيعة البشرية التى حجب فيها مجد لاهوته على الناس، لكى يتمكن من القيام بعمل الفداء .. على أن احتجاب اللاهوت بالطبيعة البشرية، كان عملاً مؤقتاً انتهى بصعوده إلى السماء وجلوسه عن يمين الآب.. ولذلك قبل أن يقول "أبى أعظم منى" قال مباشرة لتلاميذه:
"لو كنتم تحبوننى، لكنتم تفرحون لأنى قلت أمضى إلى الآب، لن أبى أعظم منى" (يو28:14).
أى أنكم حزانى الان لأنى سأصلب وأموت. ولكننى بهذا الأسلواب: من جهة سأفدى العالم وأخلصه. ومن جهة أخرى، سأترك إخلائى لذاتى، وأعود للمجد الذى أخليت منه نفسى. فلو كنتم تحبوننى لكنتم تفرحون إنى ماض للآب.. لأن أبى أعظم منى.
أى لأن حالة أبى فى مجده، أعظم من حالتى فى تجسدى.
إذن هذه العظمة تختص بالمقارنة بين حالة التجسد وحالة ما قبل التجسد. ولا علاقة لها مطلقاً بالجوهر والطبيعة واللاهوت، الأمور التى قال عنها "أنا والآب واحد" (يو3:10). فلو كنتم تحبوننى، لكنتم تفرحون أنى راجع إلى تلك العظمة وذلك المجد الذى كان لى عند الآب قبل كون العالم (يو5:17).
لذلك قيل عنه فى صعوده وجلوسه عن يمين الآب إنه "بعد ما صنع بنفسه تطهيراً عن خطايانا، جلس فى يمين العظمة فى الأعالى" (عب3:1).
وقيل عن مجيئة الثانى أنه سيأتى بذلك المجد الذى كان له.
قال إنه "سوف يأتى فى مجد ابيه، مع ملائكته. وحينئذ يجازى كل واحد حسب عمله" (مت27:16). ومادام سيأتى فى مجد أبيه، إذن ليس هو أقل من الآب ...
وقال أيضاً إنه سيأتى "بمجده ومجد الآب" (لو26:9).
ويمكن أن تؤخذ عبارة "أبى أعظم منى" عن مجرد كرامة الأبوة.
مع كونهما طبيعة واحدة ولاهوت واحد. فأى ابن يمكن أن يعطى كرامة لأبيه ويقول "ابى أعظم منى" مع أنه من نفس طبيعته وجوهره. نفس الطبيعة البشرية، وربما نفس الشكل، ونفس فصيلة الدم.. نفس الطبيعة البشرية، وربما نفس الشكل، ونفس فصيلة الدم.. نفس الطبيعة البشرية، ونفس الجنس واللون. ومع أنه مساو لأبيه فى الطبيعة، إلا أنه يقول إكراماً للأبوة أبى أعظم منى.
أى أعظم من جهة الأبوة، وليس من جهة الطبيعة أو الجوهر.
أنا- فى البنوة- فى حالة من يطيع.
وهو- فى الأبوة- فى حالة من يشاء.
وفى بنوتى أطعت حتى الموت موت الصليب (فى8:2).
رجوع
4- نقول إن المسيح ابن الله. فهل هو أصغر منه، لأن الابن عادة يكون أصغر من الآب. وقد رأيت أيقونة فى كاتدرائية بالخارج. فيها صورة الآب بلحية بيضاء، والابن بلحية سوداء.
أولاً: الأيقونة التى رأيتها فى الخارج، فيها أكثر من خطأ:
أ- الخطأ الأول هو تصوير الاب. بينما الإنجيل يقول
"الله لم يره أحد قط. الابن الوحيد الذى فى حضن الآب هو خبر" (يو18:1).
ولذلك لما أراد الآب أن نراه، رأيناه فى ابنه الظاهر فى الجسد (1تى16:3). وهكذا قال السيد المسيح "من رآنى فقد رأى الآب" (يو9:14).
ب- الخطأ الثانى هو تصوير الآب بلحية بيضاء، والابن بلحية سوداء، مما يوحى بأن الآب أكبر من الابن سناً. وهذا خطأ لاهوتى، لأنهما متساويان فى الأزلية. ولم يحدث فى وقت من الأوقات أن الآب كان بغير الابن. فالابن اللوجوس Logos هو عقل الله الناطق، أو نطق الله العاقل (الكلمة). وعقل الله كان فى الله منذ الأزل، بلا فارق زمنى. ولهذا فإننى عندما رأيت هذه الصورة فى مشاهدتى لكنائس الفاتيكان سنة 1973- قلت للكاردينال الذى يرافقنى "هذه الصورة أريوسية. ربما الفنان الذى رسمها كانت له موهبة فنية كبيرة. ولكن بغير دراسة لاهوتية سليمة" ...
ثانياً: الابن يكون أصغر من الآب فى الولادة الجسدانية، ولكن ليس فى الفهم اللاهوتى. وممكن أن توجد ولادة طبيعية بغير فارق زمنى.
فمثلاً الحرارة تولد من النار، بدون فارق زمنى. لأنه لا يمكن أن توجد نار بدون حرارة تتولد منها. إنها ولادة طبيعية، لا نقول فيها إن المولود أقل عمراً أو زمناً.
مثال آخر هو ولادة الشعاع من الشمس، بلا فارق زمنى على الإطلاق.
هذه هى خصائص الولادة الطبيعية، وهى غير الولادة الجسدية الزمنية.
إنها كولادة النبض من القلب، وولادة الفكر من العقل، والقياس مع الفارق ...