فيما يلي الباب الرابع الذي يؤرخ لحركة مدارس الأحد القبطية،
منقول عن كتاب "الكنيسة القبطية الأرثوذكسية" لكريستين شاييو:
كان رئيس الشمامسة حبيب جرجس (1876-1951) هو الرائد في إدخال مدارس الأحد كنظام للتربية الكنسية، بهدف تعزيز إيمان الأطفال والشباب القبطي الأرثوذكسي، وذلك في عهد - وبمباركة - البطريرك كيرلس الخامس (1874-1927م).
لقد عمل المبشرون منذ منتصف القرن التاسع عشر على تحويل الأقباط عن مذهبهم، بصورة خاصة في مصر الوسطى. كان حبيب جرجس من أول طلاّب الكلّية اللاهوتية التي افتُتحت عام 1893، التي بدورها ساعدت في إحياء الكنيسة القبطية.
أصبح حبيب جرجس معلماً بها عام 1899، ثم صار رئيسها منذ عام 1918 إلى وقت نياحته، وكان أيضاً يعظ ويعلّم في الكنائس والجمعيات القبطية المختلفة التي كانت تدعم نشاطاته، وفي عام 1900 أسس "جمعية المحبة" التي كانت غايتها التربية الدينية المسيحية، بتدريس اللغة القبطية والدين المسيحي.
فيما يتعلق بالتربية الدينية، يجب أن لا يقلل المرء من دور الجمعيات القبطية الأخرى، فيما يلي أسماء بعض من الجمعيات التي عملت منذ زمن مبكر في القاهرة:
جمعية النشأة القبطية، التي تأسست عام 1896، والتي كان لديها ثلاثة أهداف:
تعليم اللغة القبطية وتشجيع الناس على دراستها، وتجميع تاريخ الأقباط، بالإضافة إلى الوعظ وتعليم مبادئ الإيمان المسيحي. وقد بدأت في عام 1898 بنشر التقويم القبطي، الذي صار ينشر سنوياً منذ ذلك الحين.
وقد بدأ حبيب جرجس بالتدريس في هذه الجمعية منذ عام 1898م.
جمعية الإيمان القبطية المركزية، تأسست عام 1900، وكانت تركز على الوعظ ودراسة الكتاب المقدس وتعليم اللغة القبطية.
في عام 1914م، تأسس فرع من هذه الجمعية بواسطة جرجس بطرس – صار كاهناً فيما بعد – في شبرا، ثم صارت مستقلة تحت اسم "جمعية الإيمان القبطية الأرثوذكسية في جزيرة بدران"، وكان من بين أنشطتها العديدة التي تشمل مدارس للأولاد والبنات، ومستوصف، ثم مستشفى وصيدلية بعد ذلك، إقامة فصول مدارس الأحد في مدارسها كما في الكنيسة (كنيسة مار جرجس بجزيرة بدران)، وإقامة اجتماعات أسبوعية للشباب.
في عام 1908م، تأسست "جمعية أصدقاء الكتاب المقدس" التي صار لها فروع عديدة في جميع أنحاء مصر، بواسطة باسيلي بطرس الذي كان من خريجي الكلية الاكليريكية، والذي درس أيضاً لمدة عام في إنجلترا، حيث زار هناك جمعيات مسيحية. كانت أهداف الجمعية في مصر دراسة الكتاب المقدس وتنمية الحياة الروحية خاصة بين الشباب. أهم أنشطة الجمعية تشمل إقامة بيوت للطلبة في القاهرة، ومعسكرات صيفية للشباب، التي كانت تتضمّن دراسة للكتاب المقدس، واجتماعات للصلاة، ومناقشات تحليلية لمشاكل الشباب، بالإضافة إلى فحص الموضوعات الدينية والاجتماعية. هذا البرنامج يشبه إلى حد بعيد ما تفعله الحركة الشبابية في الوقت الحاضر. كان من بين القادة البارزين لهذه الجمعية: إبراهيم لوقا الذي صار فيما بعد قسيساً وأسس كنيسة مارمرقس بمصر الجديدة، حافظ داود الذي صار الأب مرقس داود (تنيح عام1990م) كاهن كنيسة مارمرقس بشبرا، والواعظ الشهير عياد عياد.
في عام 1918م، اجتمعت "اللجنة العامة لإدارة شئون مدارس الأحد المصرية الأرثوذكسية" لأول مرة برئاسة حبيب جرجس، وقررت أن يكون لديها أفرع في جميع أنحاء مصر.
وفي عام 1927، نشرت اللجنة بعض الكتب لتوضيح الإيمان القبطي الأرثوذكسي، وكان لها في ذلك الوقت 20 فرع في القاهرة، و44 في صعيد مصر، و18 في شمال مصر.
وفي عام 1941م، أقامت اللجنة العامة مؤتمرها في القاهرة، الذي شارك فيه نحو 350 شخض من مدارس الأحد، يمثلون 50 فرعاً تقريباً، وقد نص تقرير المؤتمر في على ضرورة تأسيس مدارس الأحد في كل مكان، وذلك بمساندة البطريرك وتحت إشراف الكهنة، وقد تقرر أن يكون هناك منهج موحد وبرامج تدريبية لمدرسي مدارس الأحد.
وقد تم تجهيز ونشر منهج موحد في عام 1948. ودعيت اللجنة في ذلك الحين (1948م) "اللجنة العليا لشئون مدارس الأحد القبطية".
وفي عام 1949 تم نشر تقرير عن الأنشطة التي تقوم بها.
بعد وفاة حبيب جرجس (1951)، أصبح وهيب عطا الله – الأسقف غريغوريوس فيما بعد – هو الأمين العام للجنة العامة، وكان يرأس الأسقف غريغوريوس أيضاً الكلية اللاهوتية، وهو حاصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة مانشستر عام 1955، وكتب العديد من المقالات والكتب في القضايا اللاهوتية.
كان للجنة مدارس الأحد مكتب في الكلية اللاهوتية بمهمشة (خلف محطة رمسيس للسكة الحديد). وعندما انتقلت الكلية إلى العباسية عام 1953م انتقل أيضاً مكتب مدارس الأحد معها. وفي عام 1955م تغير اسم "مدارس الأحد" ليصبح "مدارس التربية الكنسية". (أنظر مجلة مدارس الأحد 9/10، (1955م)، 6-7).
وقد قام البابا كيرلس السادس (1959-1971) برسامة الأسقف شنودة – البابا الحالي والبطريرك – كأسقف عام للتعليم الكنسي عام 1962، والمسئول عن الكلية الاكليريكية ومدارس الأحد، وقد بقى البابا شنودة بعد رسامته بطريركاً عام 1971 هو المسئول عن التعليم الكنسي.
لعبت مدارس الأحد دوراً هاماً في إحياء الكنيسة القبطية، وذلك منذ حقبة الأربعينات، حيث نظم الطلبة الكثير من الأنشطة والأعمال الهامة خصوصاً في كنيسة مارمرقس بالجيزة، كما أوضح لي ذلك القمص انطونيوس أمين، الذي هو واحد من الشهود القلائل الباقين، فقد ولد عام 1925 وصار قسيساً عام 1950، ومنذ عام 1955 – بعد خدمة قصيرة في الفيوم - وهو يخدم في كنيسة مارمرقس بشارع كليوباترا بمصر الجديدة في القاهرة، كان نشيطاً جداً في مدارس الأحد بالجيزة حين كان طالباً بالجامعة في الجيزة – حيث توجد أول جامعة بالقاهرة – وقد عرف جميع الشخصيات البارزة التي شاركت في خدمة مدارس الأحد في ذلك الوقت،
وقد شرح لي الآتي:
"من عام 1948 حتى 1950، كنت السكرتير التنفيذي للجنة العليا لمدارس الأحد، وكنت في ذلك الوقت على اتصال يومي مع حبيب جرجس، الذي كان يشاركنا - كرجل كبير - خبرة حياته الطويلة، وكان دائم القول بأن مدارس الأحد هي مستقبل الكنيسة. كان حبيب جرجس أيضاً رجلاً مُصلحاً، ففي كتابه: "الوسائل العملية للإصلاحات القبطية: آمال وأحلام يمكن تحقيقها في عشرة أعوام" (طبعة ثانية عام 1942) عبر عن رؤيته لتجديد الكنيسة وانشطتها بما في ذلك التعليم. كان حبيب جرجس رجلاً مكرساً للرب بالتمام، شخص بتول روحاني، ورئيس شمامسة، وواعظ قدير. بدأ حبيب جرجس مدارس الأحد على نطاق ضيق بتوزيع الدروس مع الصور مطبوعة معاً، وقد كتب أيضاً العديد من الكتيبات والكتب عن التعليم الكنسي، والحياة الروحية، وعلم اللاهوت، وتاريخ الكنيسة القبطية، علاوة على بعض الترانيم الدينية. وقد أصدر في عام 1904 مجلة الكرمة التي تهتم بالحياة المسيحية والتعليم وتاريخ الكنيسة وعلم اللاهوت، وهي تعتبر أول مجلة تصدر من هذا النوع. أخذ حبيب جرجس نظام مدارس الأحد من المبشرين البروتستانت إلاّ أنه شكلّه ليتوافق مع التقليد القبطي الأرثوذكسي.
تطوّر عمل مدارس الأحد بدرجة كبيرة بواسطة أنشطة كنيسة مارمرقس بالجيزة وخدمة بعض الطلبة. كانت كنيسة مارمرقس هي أول كنيسة تبنى بمحافظة الجيزة عام 1887م، وحتى حقبة الثلاثينات كانت لا تزال هي الكنيسة الوحيدة بالجيزة. بدأ ظريف عبد الله الطالب بكلية الهندسة – الأب بولس بولس فيما بعد - أنشطة مدارس الأحد هناك من عام 1936-1937، كان من مدينة أسيوط حيث كان يخدم قبلاً خدمة مماثلة مع لويس ذكري وآخرين. انضم إليه في الجيزة طالبان هما وهيب ذكي (الأب صليب سوريال فيما بعد)، وسعد عزيز (الذي صار فيما بعد الأنبا صموئيل أسقف العلاقات العامة والخدمات الاجتماعية)، وصار الثلاثة مشرفين على عمل مجموعة الخدمة بالجيزة، التي تقوم بزيارة المناطق الريفية البعيدة حول القاهرة ومناطق أخرى، وتعليم الأطفال والشباب. في عام 1941، اشتركت مجموعة ثانية في الخدمة بالجيزة وكنت أنا واحد منهم. ثم انتشرت بعد ذلك حركة مدارس الأحد في جميع أنحاء مصر، كان هذا ممكناً بواسطة تعليم مئات الطلبة الجامعيين، الذين بدورهم شكّلوا مجموعات للخدمة في مجتمعاتهم المحلية أثناء عطلتهم الصيفية وبعد أن انهوا دراستهم.
المرحلة التالية كانت في إقدام بعض مدرسي مدارس الأحد على خدمة الكنيسة بشكل كامل ككهنة أو رهبان، وقد تركوا وظائفهم العلمانية لتحقيق ذلك. كان هذا الأمر جديداً بأن يصير الكثير من خريجي الجامعة كهنة ورهبان، وصار البعض منهم في وقت لاحق أساقفة. هؤلاء كانوا نتاج حركة مدارس الأحد. أول من صار كاهن متزوج هو ظريف عبد الله وذلك في مارس/ آذار 1948، وخدم في كنيسة بدمنهور، ثم رُسم في مايو/ آيار عام 1948 الأب صليب سوريال وأستمر يخدم في كنيسة مارمرقس بالجيزة، وكان هو أيضاً أستاذ القانون الكنسي بالكلية اللاهوتية، أما سعد عزيز فكان أول من صار راهباً في عام 1948 باسم مكاري السرياني ثم الأسقف صموئيل فيما بعد".
تعضد عمل مدارس الأحد بنشر المقالات والكتيبات والكتب – التي لا تزال تُقرأ اليوم - ليس فقط أعمال حبيب جرجس بل التي كتبها آخرين أيضاً، مثل الأب يوحنا سلامة (تنيح 1960)، الأب منسى يوحنا، الأب إبراهيم لوقا، ميخائيل مينا، الأب مرقس داود، الشماس كمال حبيب، الأسقف إيسيذورس، الشماس رمسيس نجيب.
وقد قدّم بعض الأقباط رسائل جامعية عن التربية في الكنيسة القبطية، مثل الأب مكاري، الأسقف صموئيل فيما بعد (جامعة برنستون بالولايات المتحدة عام 1955)، د. سليمان نسيم (جامعة عين شمس بالقاهرة عام 1963)، وموريس أسعد (جامعة كولومبيا عام 1970).
كان هناك دور آخر مهم في تطوير مدارس الأحد، وهو دور السيد يونان نخلة، الذي كان ينشر الكتب المسيحية، فقد نشر أولاً كتب صلوات الخدمات الطقسية، والصور المطبوعة، وفي عام 1938 افتَتَح أول مكتبة قبطية أرثوذكسية للكتب المسيحية تدعى "مكتبة المحبة" بشارع جزيرة بدران. يواصل ابنه فيكتور يونان وأحفاده العمل، أما موقع المكتبة في الوقت الحاضر فهو 30 شارع شبرا.
ازدهر عمل مدارس الأحد في القاهرة تدريجيا في الأحياء الآهلة بالسكان الأقباط كالفجالة وشبرا - كلاهما على مقربة من البطريركية القديمة بجوار محطة رمسيس للسكة الحديد - وقد تم بناء عدة كنائس هناك منذ حقبة الثلاثينات، وكثير من الشخصيات التي صار لها دور فيما بعد في الكنيسة القبطية كانوا يخدمون في مدارس الأحد، من بينهم كهنة وأساقفة.
فيما يلي بعض الأمثلة:
عبد المسيح بشارة – مدرس لغة انجليزية – كان مسئولاً عن مدارس الأحد من عام 1952 حتى 1957 بكنيسة السيدة العذراء بالفجالة التي بُنيت عام 1884. كان قبل ذلك خادماً في مدارس الأحد في جمعية "ثمرة مدارس الأحد" بالفجالة التي تأسست عام 1947، إذ كان هو أمينها العام والمشرف على مدارس الأحد بها من عام 1947 إلى 1957، وهو خريج الكلية الاكليريكية عام 1953. أصبح بعد ذلك أسقفاً لبني سويف باسم الأنبا أثناسيوس من عام 1962 حتى نياحته عام 2000.
في نفس كنيسة العذراء، خدم ثلاثة أخوة من عائلة صبحي في التربية الكنسية منذ عام 1953، أثنين منهم أصبحوا كهنة: الأب روفائيل صبحي والأب ميخائيل بالدقي، والثالث صار أسقفاً: د. مجدي صبحي الذي صار الأنبا أنطونيوس مرقس أسقف عام شئون أفريقيا. ابن خالهم سامح عدلي - الأسقف صموئيل فيما بعد – خدم بمدارس الأحد أيضاً، وهو أستاذ مشهور في علم الآثار القبطية بمعهد الدراسات القبطية، وقد رُسم أسقفاً لشبين القناطر عام 1993 وتنيح عام 2003.
تم بناء كنيسة دير الملاك البحري عام 1894 بحدائق القبة بجوار البطريركية الحالية بواسطة إبراهيم بك مليكة، وقد نظم مدارس الأحد بها د. ميلاد ذكي، الذي كتب بعض الكتيبات الروحية.
أول كنيسة تم بنائها في حي شبرا هي كنيسة السيدة العذراء بمسرة (1924)، وقد نُظمت خدمة مدارس الأحد بها بواسطة سعد الله قلدس قرب نهاية حقبة الثلاثينات.
تابع الموضوع